إنه نبض يمتد لألاف السنين تراثا وتاريخا وحضارة . لنتكاتف جميعا من أجل أن نعيد الحيوية لنبض عراقنا بعد ان جثم المحتل وعملاءه على الصدور ...
الأربعاء، نوفمبر 04، 2009
في مسلسل قرأت لك : إذا كانت النفوس كباراً . . تعبت فى مرادها الأجسام
شاركوني بما أقرأ ... كان عنوانا على مدونة محمود إذ طالب صاحب المدونة مشكورا مشاركته في قراءتها ... فوجدتها فكرة حسنة فما يستهويني من مواضيع قد يستهوي الكثير فلّم لا يشاركوني بما أقرأ ! فلمدونة محمود حصريا السبق في هذا المجال ولها وصاحبها الاجر في ذلك ان شاء الله ... وما قرأته اليوم سلط الضوء على هدف آخر من أهداف إحتلال العراق التي وضعها راعي البقر المستعمر اميركا وسمسار الطمع المستوطن المسرطن إيران في ملحق خاص ألحق ببروتوكولات صهيون ! هذا الهدف فات على الكثيرين في خضم الاثار المادية العنيفة التي رافقت الاحتلال الا وهو هدف ( النفوس الكبيرة ) فالعراق غني بنفوس العديد من أعيانه ومثقفيه وعلماءه الكبيرة التي جعلت من الاجسام صغيرة مهما عظمت أمام عنفوانها والكاتب العراقي سلام الشماع في عزفه المنفرد يركز الضوء هذه المرة على علم من أعلام العراق من ذوي النفوس الكبيرة الذي رغم موته رحمه الله قبل عشرين عاما تقريبا من تاريخ الاحتلال المشؤوم الا ان عملاء الاحتلالين من صغار النفوس رواد دروازة قزوين وكوجة مروي في إيران خدم مخابرات اميركا والغرب والجالسين بوصيد أبوابها ينتظرون فتات السحت الحرام قاموا بتجريف قبره وإزالته عن بكرة أبيه حتى لا يذكّرهم بصغر نفوسهم وإنحطاطها ... أترككم مع سلام الشماع ...
عزف منفرد: موقف محرج علمني دروساً ... سلام الشماع
أخفي بين يديّ وجهي خجلاً كلما تذكرت موقفي المتهور معه... وبعد حين لمت نفسي لكنه علمني دروساً لن أنساها أبداً انطبعت على سلوكي فيما بعد .
كنت محرراً في مجلة تعد في العراق الأولى وعمري لم يتجاوز السابعة عشر بعد، وكان ظهور اسمي على صفحات المجلة أسبوعيا يملؤني فخراً بنفسي، وما زادني كبراً أنهم أعطوني صفتين اثنتين هما أني أصغر محرر صحفي في العراق، وثانيتهما كاتب تحقيقات من الطراز الأول، ذلك غير تكليفي بمهمات صحفية يخفق فيها الكبار مثل مقابلات الوزراء والمسؤولين.
كان ذلك في العام 1975 بعد سنة واحدة من امتهاني الصحافة... ولكم أن تتخيلوا ما تأثير ذلك كله على فتى مراهق.
في يوم كنت كتبت عن منطقة عراقية فيها آثار آشورية، لعلها الشرقاط، التي عدت منها بأكثر من تحقيق صحفي مثير، وكان عليّ أن أستكمل التحقيق بتطعيمه برأي من مختص في الآثار، فذهبت إلى كلية الآداب في جامعة بغداد وتوجهت إلى قسم الآثار ودلفت غرفة الأساتذة ولكني لم أجد أحداً، فخمنت أنهم في الدرس وقلت لنفسي لا بأس أن أنتظر ليقودني أحدهم إلى رئيس القسم لأطرح عليه أسئلتي.
بعد نصف ساعة من الانتظار دخل إلى الغرفة شخص ملابسه قريبة إلى الرثاثة وبيده قدح شاي قدمه لي وجلس إلى جانبي، فدهشت من تصرفه، إذ كيف يجلس عامل النظافة في الكلية إلى جانب ضيف جاء لمقابلة رئيس القسم؟.
لكن الرجل سألني عمن أكون وعما أريد، فأجبته متضايقاً وباستعلاء بأني صحفي ولديّ أسئلة أريد طرحها على رئيس القسم... وإذا به يسألني بثقة: وما هي هذه الأسئلة؟..
أردت أن أنفجر بوجه فضوله، ولكني تراجعت، في اللحظة الأخيرة، عندما رأيت شعره الأبيض الذي يكلل رأسه، وبضيق أيضاً أجبته عن سؤاله، فقال لي: أكتب قد يتأخر عليك رئيس القسم لأنه خارج الكلية وسأجيبك أنا على قدر معلوماتي.
سلمت أمري إلى الله وتلوت عليه أسئلتي تخلصا من تطفله وفضوله على (صحفي مثلي)!!!، وهو عامل النظافة الذي جلب إليّ الشاي، فلم يكن منه إلا أن يتدفق بمعلومات أذهلتني... إلا أنني لم أنتبه وسألته كيف لعامل نظافة أن يمتلك هذه المعلومات كلها، فابتسم ابتسامة حيية ولم يشأ أن يحرج فتى صغيراً، وقال لي إنه يعمل منذ سنوات طويلة في هذه الكلية وقد سمع الكثير عن الآثار وعلم الآثار من الأساتذة فتكونت لديه معلومات، وطلبت منه أخيراً أن أثبت اسمه فأخبرني أنه (طه باقر).
شكرته وغادرت الكلية وعندما كتبت التحقيق أدرجت معلوماته بعد أن سبقتها بعبارة: (ويقول طه باقر أحد العاملين في قسم الآثار في كلية الآداب بجامعة بغداد).
وفي صباح اليوم التالي قدمت التحقيق إلى رئيس القسم الذي بدأ بقراءته ثم بعد ذلك فتح عينيه على وسعهما في أوراق التحقيق وفغر فاه وقال لي: هذا أجمل تحقيق قرأته لكن لي عليه ملاحظة واحدة، وهي أن (طه باقر) ليس أحد العاملين في الكلية وإنما هو أستاذ أساتذة علم الآثار!!.
احمر وجهي خجلاً وذهبت إلى أرشيف المجلة لأكتشف أن عامل النظافة الذي توهمت إنما هو قارئ الرقم الطينية القديمة، وهو رائد من رواد علم الآثار في العالم ومؤلفاته مصدر مهم من مصادر علم الآثار والحضارات والتاريخ القديم، وأنه على الرغم من كونه أستاذاً في كلية الآداب ودار المعلمين العالية لكنه ظل متعلقاً بالعمل الميداني، في مجال التحري والتنقيب فترأس بعثة للتنقيب في موقع (تل الدير) وعقرقوف أعوام 1941 – 1947، وأشرف على التنقيب في (تل حرمل) و(تل الضباعي) في بغداد 1945 - 1961 كما أشرف على التنقيبات في حوض سد دوكان وسد دربندخان أعوام 1956 – 1961، بالإضافة إلى أعمال الصيانة الأثرية في مدينة بابل سنة 1958 - 1963. وأنه قدم مئات البحوث المنشورة وعمل رئيساً لتحرير مجلة سومر.
ومنذ ذلك اليوم يحمر وجهي خجلاً كلما ذكر اسم طه باقر أمامي.
ومن باب ردّ الأمانات إلى أهلها أقول لكم: إن طه باقر الذي حزنت لوفاته في العام 1984 وبكيته، علمني دروساً كثيرة في هذا الموقف، منها ألا أحكم على الناس من خلال مظاهرهم وألا أحرج إنساناً وأن أتواضع، وألا أشعر بالكبر وأتخيل بأني ملكت علم الأولين والآخرين.
كان طه باقر علما عراقيا عربيا عالميا، ورمزاً من رموز العراق لذلك فأول جريمة ارتكبها أزلام الاحتلال بعد سرقة المتحف العراقي وتحطيمه وإحراق المكتبة الوطنية العراقية، كانت جريمة تجريف قبره وقبور ثلة من أعلام العراق كعلي الوردي، عالم الاجتماع الأبرز، وعلي جواد الطاهر، أستاذ النقد الأدبي المشهور، وجواد علي المؤرخ، صاحب كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)، الذين جاوروا طه باقر في مرقده الأخير، وللحديث عن ذلك مناسبة أخرى.
مقال الشماع منشور على البلاد البحرينية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق